معنى "الأماني" في قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}
صفحة 1 من اصل 1
معنى "الأماني" في قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى "الأماني" في قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}، والحث على تدبر كتاب الله
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
قال تعالى عن أهل الكتاب : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}.
يذكر الله -عزَ وجلَّ- أن من أهل الكتاب من هو أميٌّ لا يفقه شيئاً من الكتاب، ولا يعلم من كتابهم إلا التلاوة .
ومعرفتهم بكتابهم إنما هي ظنون وأوهام، بسبب تحريف أحبارهم ورهبانهم.
وقد اختلف السلف في المراد بالأماني .
فمنهم
من قال : الأماني : التلاوة بلا فهم ، فهم لا يعلمون فقه الكتاب إنما
يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم ولا يحسنون قراءة الكتاب و لا كتابته
إلا أماني ؛ إلا ما يحدثهم به علماؤهم
فهذا القول على الوجهين في الاستثناء في الآية :
قال
تعالى: {لا يعلمون الكتاب} لم يقل لا يقرؤون ولا يسمعون ، ثم قال: {إلا
أماني} و هذا استثناء منقطع ، لكن يعلمون أماني ؛ إما بقراءتهم لها ، و
إما بسماعهم قراءة غيرهم .
و إن جعل الاستثناء متصلاً كان التقدير :
لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني لا علم فهم بل تلاوة فقط بلا فهم ،
والأماني جمع أمنية ، و هي التلاوة ، و منه قوله تعالى : {و ما أرسلنا من
قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما
يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم}.
ومنهم من قال:
الأكاذيب المفتعلة فتكون الأماني : الأشياء التي كتبها علماؤهم من قِبَلِ
أنفسهم ثم أضافوها إلى الله ؛ من تغيير صفة محمد صلى الله عليه و سلم.
ومنهم
من قال : الأماني : يتمنون على الله الباطل و الكذب ، كقولهم: لن تمسنا
النار إلا أياما معدودة ، و قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو
نصاري ، و قولهم : نحن أبناء الله و أحباؤه .
وكلا القولين الأخيرين [الثاني والثالث] ضعيف والصواب القول الأول .
لأنه سبحانه قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} و هذا الاستثناء ؛ إما أن يكون متصلا ، أو منقطعاً :
فإن كان متصلاً لم يجز استثناء الكذب ولا أماني القلب من الكتاب لأن الكتاب حق من عند الله .
و
إن كان منقطعاً فالاستثناء المنقطع إنما يكون فيما كان نظير المذكور و
شبيها له من بعض الوجوه ، فهو من جنسه الذي لم يذكر في اللفظ ، ليس من جنس
المذكور ، و لهذا لا يصلح المنقطع حيث يصلح الاستثناء المفرغ [وهو الجملة
الاستثنائية المنفية والتي لم يذكر فيها المستثنى منه] ، و ذلك كقوله: {لا
يذوقون فيها الموت} ثم قال: {إلا الموتة الأولى} فهذا منقطع ، لأنه يحسن
أن يقال: لا يذوقون إلا الموتة الأولى .
فهنا لما قال: {لا يعلمون
الكتاب إلا أماني} يحسن أن يقال: لا يعلمونه إلا أماني ، فإنهم يعلمونه
تلاوة يقرؤونها ويسمعونها ، ولا يحسن أن يقال: لا يعلمون إلا ما تتمناه
قلوبهم ، أو لا يعلمون إلا الكذب ، فإنهم كانوا يعلمون ما هو صدق أيضاً ،
فليس كل ما علموه من علمائهم كان كذباً ، بخلاف الذي لا يعقل معنى الكتاب
فإنه لا يعلم إلا تلاوة .
إلى غير ذلك من الدلالات على صحة القول الأول وضعف القولين الآخرين.
وهذا
القول الراجح قاله : ابن عباس وقتادة وابن السائب وأبو روق وأبو عبيدة
والكسائي والزجاج وغيرهم ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رضي الله عنه- .
وللاستزادة : انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية(17/434-444) .
الحثُّ على تدبر كتاب الله ، والتحذير من هجرانه
وفي هذه الآية تحذير من رب العزة والجلال لهذه الأمة أن يكونوا مثل أولئك، وحَثٌّ لهم على تدبر كتاب الله -عزَ وجلَّ- .
وقد جاءت آيات عديدة تحث على تدبر كتاب الله وفهمه .
قال
تعالى مبيناً أنه أنزل كتابه للتدبر والتفكر في معانيه : { كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} سورة ص(آية/29).
وقال تعالى
في سورة الأنعام: { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ
الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى
صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
وقال تعالى في سورة النساء : { أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}
وقال تعالى في سورة محمد
-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- منكراً على من لم يتدبر كتابه : { أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
وترك
تدبر القرآن من أنواع الهجر التي وردت في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} سورة الفرقان(آية/30).
قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ- في كتابه الفوائد(ص/82) :
"هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجرُ سماعِهِ، والإيمانِ به، والإصغاءِ إليه.
والثاني: هجرُ العملِ به، والوقوفِ عند حلاله وحرامه، وإنْ قرأه وآمن به.
والثالث: هجرُ تحكيمِهِ، والتَّحاكمِ إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقادُ أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
والرابع: هجرُ تدبُّرِه، وتفهُّمِهِ، ومعرفةِ ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجرُ الاستشفاء والتَّداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التَّداوي به.
وكل
هذا داخل في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي
اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} ، وإن كان بعض الهجر أهون من
بعض".
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي من موقع الشيخ
معنى "الأماني" في قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}، والحث على تدبر كتاب الله
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
قال تعالى عن أهل الكتاب : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}.
يذكر الله -عزَ وجلَّ- أن من أهل الكتاب من هو أميٌّ لا يفقه شيئاً من الكتاب، ولا يعلم من كتابهم إلا التلاوة .
ومعرفتهم بكتابهم إنما هي ظنون وأوهام، بسبب تحريف أحبارهم ورهبانهم.
وقد اختلف السلف في المراد بالأماني .
فمنهم
من قال : الأماني : التلاوة بلا فهم ، فهم لا يعلمون فقه الكتاب إنما
يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم ولا يحسنون قراءة الكتاب و لا كتابته
إلا أماني ؛ إلا ما يحدثهم به علماؤهم
فهذا القول على الوجهين في الاستثناء في الآية :
قال
تعالى: {لا يعلمون الكتاب} لم يقل لا يقرؤون ولا يسمعون ، ثم قال: {إلا
أماني} و هذا استثناء منقطع ، لكن يعلمون أماني ؛ إما بقراءتهم لها ، و
إما بسماعهم قراءة غيرهم .
و إن جعل الاستثناء متصلاً كان التقدير :
لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني لا علم فهم بل تلاوة فقط بلا فهم ،
والأماني جمع أمنية ، و هي التلاوة ، و منه قوله تعالى : {و ما أرسلنا من
قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما
يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم}.
ومنهم من قال:
الأكاذيب المفتعلة فتكون الأماني : الأشياء التي كتبها علماؤهم من قِبَلِ
أنفسهم ثم أضافوها إلى الله ؛ من تغيير صفة محمد صلى الله عليه و سلم.
ومنهم
من قال : الأماني : يتمنون على الله الباطل و الكذب ، كقولهم: لن تمسنا
النار إلا أياما معدودة ، و قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو
نصاري ، و قولهم : نحن أبناء الله و أحباؤه .
وكلا القولين الأخيرين [الثاني والثالث] ضعيف والصواب القول الأول .
لأنه سبحانه قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} و هذا الاستثناء ؛ إما أن يكون متصلا ، أو منقطعاً :
فإن كان متصلاً لم يجز استثناء الكذب ولا أماني القلب من الكتاب لأن الكتاب حق من عند الله .
و
إن كان منقطعاً فالاستثناء المنقطع إنما يكون فيما كان نظير المذكور و
شبيها له من بعض الوجوه ، فهو من جنسه الذي لم يذكر في اللفظ ، ليس من جنس
المذكور ، و لهذا لا يصلح المنقطع حيث يصلح الاستثناء المفرغ [وهو الجملة
الاستثنائية المنفية والتي لم يذكر فيها المستثنى منه] ، و ذلك كقوله: {لا
يذوقون فيها الموت} ثم قال: {إلا الموتة الأولى} فهذا منقطع ، لأنه يحسن
أن يقال: لا يذوقون إلا الموتة الأولى .
فهنا لما قال: {لا يعلمون
الكتاب إلا أماني} يحسن أن يقال: لا يعلمونه إلا أماني ، فإنهم يعلمونه
تلاوة يقرؤونها ويسمعونها ، ولا يحسن أن يقال: لا يعلمون إلا ما تتمناه
قلوبهم ، أو لا يعلمون إلا الكذب ، فإنهم كانوا يعلمون ما هو صدق أيضاً ،
فليس كل ما علموه من علمائهم كان كذباً ، بخلاف الذي لا يعقل معنى الكتاب
فإنه لا يعلم إلا تلاوة .
إلى غير ذلك من الدلالات على صحة القول الأول وضعف القولين الآخرين.
وهذا
القول الراجح قاله : ابن عباس وقتادة وابن السائب وأبو روق وأبو عبيدة
والكسائي والزجاج وغيرهم ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رضي الله عنه- .
وللاستزادة : انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية(17/434-444) .
الحثُّ على تدبر كتاب الله ، والتحذير من هجرانه
وفي هذه الآية تحذير من رب العزة والجلال لهذه الأمة أن يكونوا مثل أولئك، وحَثٌّ لهم على تدبر كتاب الله -عزَ وجلَّ- .
وقد جاءت آيات عديدة تحث على تدبر كتاب الله وفهمه .
قال
تعالى مبيناً أنه أنزل كتابه للتدبر والتفكر في معانيه : { كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} سورة ص(آية/29).
وقال تعالى
في سورة الأنعام: { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ
الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى
صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
وقال تعالى في سورة النساء : { أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}
وقال تعالى في سورة محمد
-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- منكراً على من لم يتدبر كتابه : { أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
وترك
تدبر القرآن من أنواع الهجر التي وردت في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} سورة الفرقان(آية/30).
قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ- في كتابه الفوائد(ص/82) :
"هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجرُ سماعِهِ، والإيمانِ به، والإصغاءِ إليه.
والثاني: هجرُ العملِ به، والوقوفِ عند حلاله وحرامه، وإنْ قرأه وآمن به.
والثالث: هجرُ تحكيمِهِ، والتَّحاكمِ إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقادُ أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
والرابع: هجرُ تدبُّرِه، وتفهُّمِهِ، ومعرفةِ ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجرُ الاستشفاء والتَّداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التَّداوي به.
وكل
هذا داخل في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي
اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} ، وإن كان بعض الهجر أهون من
بعض".
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي من موقع الشيخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى